حنا السكران..واوراق..ورجل آت

يعلمنى صوتها كيف أشفق على نفسى..وعلى الناس والحيوان والجماد
روح تخاطب روح فلا أعصى له امر..لو كان أحدا آخر أوصانى بألا أنسى هذا الرجل السكران ..لكنت أرتحت ونسيته..ولكن صوت فيروز الرحيم له سلطان..فما عدت انسى حنا السكران
كثيرا ما تجنبت الأستماع الى الأغنية وكأنى أتجنب لقاءه..وبالرغم من ذلك لا انساه..تأتينى صورته من بين الغيم..يلاحقنى وكله عزم و أصرار على ان يمسك بيدى و يصحبنى فى الطرقات..يسير مترنحاوهو يحكى قصته الأليمة ..و انا لا اريد ان اسمع..لا أريد أن أعرف التفاصيل التى عشتها
حنا السكرا ن هذا الزلمة المسكين..لا يعرف انى مثله وان حياتى تشبه حياته لأبعد مدى ..وربما كنت سأسير يوما مترنحة الى جواره..لولا الدمع الذى رأيته طافرا من عينه فعرفت أن خمره لا تداوى
يعاقرها بعدما صارت تجرى فى جسده مجرى الدم..ولكن بلا سلوى ولا نسيان..فقط من أجل التبجح..كى يقف على أقدامه يواجه الدنيا ويصب عليها اللعنات..يشمر عن ساعديه بوجهها ويصرخ..ها أنا يا بنت القحبة..ما عدت اخشى شئ..وما عدت أملك شئ
الكثير والكثير من الضربات توالت على رأس حنا السكران لم يكن أقساها على الاطلاق حبه المستحيل لبنت الجيران
وحين يمتزج ألمى بألمه..نتكئ على جدار قديم كتف بكتف..وصوت فيروز مهزوم أمام مصيرنا المحتوم
...
وأنا ..أتحسس رأسى ..لا شئ ظاهرى ولكن الصداع هنا بالتأكيد..فما أن ألامس رأسى حتى يتحدانى بتغيير موجاته القاتلة من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين..وكان أصله فى المنتصف تماما قبل أن يتشعب الى كل الرأس..أشعر بها وكأنها اوتارا تنتظر يدى لتصدر صوتها الكئيب..أنينها المقبض المخيف الذى يشبه صوت الساحرات
لعنة تسكن رأسى وجرح يسكن قلبى..وهواية حمقاء لا أدرى كيف تعلمتها..فبعدما عجزت عن حمل همى صرت أبحث عن هموم أخرى ..وكأنى بنفسى تقول ما يضير الشاه سلخها بعد ذبحها
أحمل هم الأوراق..الأوراق التى شهدت ميلاد الكذبة..حين مالت رأس على الأوراق لتخط شعرا..وأحرف أسمى تتأرجح أمامها..فكان الشعر لى..كرمال عيونى..قبل أن يصير بلا ثمن وبلا داعى
فالكلمات التى لا تعنى شئ لكاتبها ..تفقد قيمتها..مهما آمنت بها فمصيرها الرماد ما دام الكاتب قد كفر
كل الحنين والعطف والأحتياج والشوق الذى ذاب بها ..سيموت..بل مات وما عاد له أثر..وأنا الآن بحماقتى المعهودة..أحمل هم الأوراق
بالرغم من انى اعرف جيدا انها قد تكون تمزقت أو ألقيت فى زاوية متربة ومنسية..و سيأتى يوم تسأل فيه امرأة أخرى عن سر الأوراق..فيجيبها الكاتب_الذى كفر_بأنها لا شئ يذكر..فتندفع الأيدى المجنونة لتمزيق الأوراق بغضب..وهى تتمنى لو تصفع وجهى ألف مرة ..لأنى سمحت لنفسى يوما بأن أشارك رجلها المنشود فراشا وهميا
وهل يحزن القلب المؤمن على كذب
...
فى يوم آخر سألقاه..وحيدا مثلى ..حزينا مثلى..ثائرا مثلى..وسأكون امرأة أخرى..امرأة تمرست بالضياع فلم تعد تخشاه
قلبى يحدثنى بأنه يراه..يلا يكف حديثه عن نبيه المنتظر..يشد على يدى كى لا أستسلم للحذر..فالعشق مكمنه الخطر..خبرنى يوما انه رجل يستحق تحمل الألم
وأنا عاهدته بأن أضع عنى خجلى يوم نلقاه..أتدثر بالوقاحة مرة بعمرى..لأحتضنه بعنف وأقبله بضراوة فالوقت حان لترتفع آهاتنا الى السماء..نلقى باللعنات على الحمقى والجبناء والقساة وكل من تحيط بى أعينهم الجاهلة حين أبكى على كفى
يومها سأبكى على كتفه وسيلتئم جرحى على جرحه..فهو آت
لن أشحذ المحبة من الراحلين بعد اليوم